الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
25- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( (إن شدة الحر من فيح جهنم (2) فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) وقال ((اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب ! أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين (5) في كل عام نفس في الشتاء ونفس في الصيف قال أبو عمر قد أسند مالك هذا الحديث بتمام معناه في الموطأ برواية له عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ألفاظ حديث زيد هذا كله ومعانيه وأسنده أيضا مختصرا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من رواه من التابعين عن أبي هريرة ومن رواه مع أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة وهو حديث عند أهل السنة والعلم بالحديث صحيح لا مقال فيه لأحد. وأما قوله ((إن شدة الحر من فيح جهنم)) فالفيح سطوع الحر في شدة القيظ كذلك قال صاحب العين وغيره من أهل العلم بلسان العرب. وأما إضافة ذلك إلى جهنم - أعاذنا الله منها - فمجاز لا حقيقة كما تقول العرب في الشمس إذا اشتد حرها هذه نار تريد كالنار وكذلك يقال فلان نار يريد أنه يفعل كفعل النار مجازا واستعارة ومعلوم أن نار جهنم تفضل نار بني آدم سبعين جزءا أو تسعة وستين جزءا وفي هذا ما يوضح لك أن ذلك مجاز أو لغة معروفة في لسان العرب ومن قال قولهم ومنه أحرق الحزن قلبي وأحرق فلان فؤادي بقوله كذا ومن هذا المعنى قيل الحر من فيح جهنم والله أعلم. وأما قوله ((فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) فمعنى الإبراد بها تأخيرها عن أول وقتها حتى يزول سموم الهاجرة لأن الوقت فيه سعة - والحمد لله - على ما مضى في كتابنا هذا واضحا واختلف العلماء في شيء من هذا المعنى فذكر إسماعيل بن إسحاق وأبو الفرج عمرو بن محمد أن مذهب مالك في الظهر وحدها أن يبرد بها وتؤخر في شدة الحر وسائر الصلوات تصلى في أوائل أوقاتها قال أبو الفرج أختار لك لجميع الصلوات أول أوقاتها إلا الظهر في شدة الحر لقوله - عليه الصلاة والسلام - ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)). وأما بن القاسم فحكى عن مالك أن الظهر تصلى إذا فاء الفيء ذراعا في الشتاء والصيف للجماعة والمنفرد على ما كتب به عمر إلى عماله وقال بن عبد الحكم وغيره من أصحابنا إن معنى كتاب عمر مساجد الجماعات. وأما المنفرد فأول الوقت أولى به وهو في سعة من الوقت كله وإلى هذا مال فقهاء المالكيين من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية بن القاسم وقد مضى في الأوقات ما يكفي في صدر هذا الكتاب والحمد لله وقال الليث بن سعد يصلى الصلوات كلها الظهر وغيرها في أول الوقت في الشتاء والصيف وهو أفضل وكذلك قال الشافعي إلا أنه استثنى فقال إلا أن يكون إمام جماعة ينتاب من المواضع البعيدة فإنه يبرد بالظهر وقد روي عنه أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد كان بالمدينة لشدة حر الحجارة ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده فكان ينتاب من بعد فيتأذون بشدة الحر فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة وقال العراقيون تصلى الظهر في الشتاء والصيف في أول الوقت واستثنى أبو حنيفة شدة الحر فقال يؤخر في ذلك حتى يبرد والاختلاف في هذا متقارب جدا وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل أي الأوقات أعجب إليك في الصلوات كلها قال أولها إلا في صلاتين في العشاء الآخرة والظهر في شدة الحر قال. وأما في الشتاء فيعجل بها قال أبو عمر أما الأحاديث عن عمر في كتابه إلى عماله ففيها إذا زاغت الشمس وفيها إذا فاء الفيء ذراعا وقد مضى القول فيها في موضعها من صدر هذا الكتاب وقد احتج من لم ير الإبراد بالظهر بحديث خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا يقول فلم يعذرنا وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده وعلته في التمهيد وتأول من رأى الإبراد في قول خباب هذا فلم يشكنا ولم يحوجنا إلى الشكوى لأنه رخص لنا في الإبراد وذكر أبو الفرج أن أحمد بن يحيى ثعلب فسر قوله فلم يشكنا على هذا المعنى حدثنا محمد بن إبراهيم (بن سعيد) حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم أخبرنا خالد بن دينار أبو خلدة قال سمعت أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد وإذا كان البرد عجل حدثنا عبد الله بن محمد (بن عبد المؤمن) قال حدثنا محمد بن بكر (بن عبد الرزاق) حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيدة بن حميد عن أبي مالك الأشجعي عن كثير بن مدرك عن الأسود بن يزيد أن عبد الله بن مسعود قال كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة. وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي قال حدثنا عبيدة بن حميد فذكره بإسناده وهذا كله يدل على سعة الوقت والحمد لله وقد تقدم قول القاسم بن محمد ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي وذكرنا هناك قول عمر لأبي محذورة - وهو معه بمكة إنك في بلدة حارة فأبرد ثم أبرد ثم أبرد. وقال مالك إن أهل الأهواء لا يبردون يعني الخوارج. وأما قوله اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب ! أكل بعضي بعضا فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك فحمله بعضهم على الحقيقة وحمله منهم جماعة على المجاز فالذين حملوه على الحقيقة قالوا أنطقها الله الذي أنطق كل شيء وفهم عنها كما فهم عن الأيدي والأرجل والجلود. وأخبر عن شهادتها ونطقها وعن النمل بقولها وعن الجبال بتسبيحها واحتجوا بقوله تعالى (يا جبال أوبي معه [سبأ 10]. أي سبحي معه وبقوله (يسبحن بالعشي والإشراق) [ص 18]. وبقوله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) [الإسراء 44]. وبقوله (وتقول هل من مزيد) [ق 30]. وبقوله (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) [الفرقان 12]. وبقوله (قالتا أتينا طائعين) [فصلت 11]. فلما كان مثل هذا - وهو في القرآن كثير - حملوا بكاء السماء والأرض وانفطار السماء وانشقاق الأرض وهبوط الحجارة من خشية الله كل ذلك وما كان مثله على الحقيقة وكذلك إرادة الجدار الانقضاض واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من الحقيقة في ذلك بقوله تعالى (يقص الحق) الأنعام وبقوله (والحق أقول) ص 84. وأما الذين حملوا ذلك كله وما كان مثله على المجاز قالوا أما قوله (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) (تكاد تميز من الغيظ) فهذا تعظيم من الله تعالى لشأنها قالوا وقول النبي -عليه السلام- ((اشتكت النار إلى ربها)) من باب قول عنتزة (وشكا إلي بعبرة وتحمحم) وقول الآخر: شكا إلي جملي طول السرى *** صبرا جميلا فكلانا مبتلى وكقول الحارثي: يريد الرمح صدر أبي براء *** ويرغب عن دماء بني عقيل وقال غيره: رب قوم غبروا من عيشهم *** في نعيم وسرور وغدق سكت الدهر زمانا عنهم *** ثم أبكاهم دما حين نطق وقال غيره: وعظتك أجداث صمت *** ونعتك أزمنة جفت وتكلمت عن أوجه *** تبلى وعن صور سبت وأرتك قبرك في القبور *** وأنت حي لم تمت وهذا كثير في أشعارهم وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وقالوا هذا كله على المجاز والتمثيل والمعنى في ذلك أنها لو كانت ممن تنطق لكان نطقها هذا وفعلها وذكروا قول حسان بن ثابت حيث يقول: لو أن اللوم ينسب كان عبدا *** قبيح الوجه أعور من ثقيف وسئل أبو العباس أحمد بن يزيد النحوي عن قول الملك (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة) [ص 23]. وهم الملائكة لا أزواج لهم فقال نحن طول النهار نفعل هذا فنقول ضرب زيد عمرا وإنما هذا تقدير كأن المعنى إذا وقع هذا فكيف الحكم فيه وذكروا قول عدي بن زيد العبادي للنعمان بن المنذر أتدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك قال وما تقول قال تقول: رب ركب قد أناخوا حولنا *** يشربون الخمر بالماء الزلال ثم أضحوا لعب الدهر بهم *** وكذاك الدهر حال بعد حال وأحسن ما قيل في معنى هذا الحديث ما ورد عن الحسن البصري قال أبو عمر القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصواب والله أعلم وأحسن ما قيل في هذا المعنى ما فسره الحسن البصري قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فخفف عني قال فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين فما كان من برد يهلك شيئا فهو من زمهريرها وما كان من سموم يهلك شيئا فهو من حرها فقوله من زمهرير يهلك شيئا وحر يهلك شيئا يفسر ما أشكل من ذلك لكل ذي فهم ومعلوم أن نفسها في الشتاء غير الشتاء ونفسها في الصيف غير الصيف لقوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف وقول الحسن من زمهريرها وحرها موجود في الأحاديث المسندة الصحاح حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب ! أكل بعضي بعضا فجعل لها نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون في الصيف من الحر من سمومها والشدة والشدائد هو معنى قول الحسن والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان بعد وهو قول جماعة أهل السنة أهل الفقه والحديث وحجتهم من الآثار في ذلك حديث أنس عن النبي -عليه السلام- أنه قال لجبريل -عليه السلام- ((لم أر ميكائيل ضاحكا قط فقال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار)) وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وحديث أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- قال (( لما خلق الله الجنة دعا جبريل فأرسله إليها فقال انظر إلى الجنة وإلى ما أعددت لأهلها)) الحديث بطوله ذكرناه بإسناده وتمامه في التمهيد وأحاديث سواه في معناه والحمد لله قال أبو عمر هذا آخر ما عمله مالك - رحمه الله - في الأوقات وقدم باب الوقوت على باب العمل في الوضوء ليدل على أن أول فرض الصلاة دخول وقتها وأن الوضوء لا يلزم لها إلا بعد دخول وقتها ولكنه مباح عمله قبل وسقط ليحيى بن يحيى باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر من موضعه الذي هو فيه في الموطأ عند جماعة رواته وهو عندهم قبل هذا الباب وبعد باب النوم عن الصلاة فلما سقط له ها هنا استدركه فوضعه في آخر كتاب الصلاة بعد باب العمل في الدعاء وليس له هناك مدخل فرأينا أن نضعه في كتابنا هذا هنا لما ذكرناه وبالله توفيقنا. هكذا ترجمه هذا الباب في الموطأ عند جماعة الرواة وكانت حقيقته أن يقال فيه باب النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ثم يذكر النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. 26- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها)) ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات تابع يحيى على قوله في هذا الحديث عن عبد الله الصنابحي جمهور الرواة منهم القعنبي وغيره قال فيه مطرف عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي عبد الله الصنابحي وتابعه إسحاق بن عيسى الطباع وطائفة وهو الصواب وهو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن بن عسيلة وقد ذكرنا في التمهيد خبره وأنه من كبار التابعين لا صحبة له وروينا عنه أنه قال لم يكن بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خمس ليال توفي وأنا بالجحفة فقدمت وأصحابه متوافدون وعن بن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن الحسن عن الصنابحي قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة فأقبل راكب فقلت الخبر ! فقال دفنا رسول الله منذ خمس ليال واضطرب بن معين في حديث الصنابحي هذا فمرة قال يشبه أن تكون له صحبة ومرة قال أحاديثه مرسلة ليس له صحبة وهذا هو الصحيح وقد أوضحنا هذا المعنى عند ذكر هذا الحديث وأحاديث الصنابحي التي في الموطأ مشهورة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق شتى من حديث أهل الشام وممن رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن عبسة وأبو أمامة الباهلي وعقبة بن عامر ومرة بن كعب البهزي وقد ذكرناها بطرقها في (( التمهيد)). وأما قوله عليه السلام ((إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان)) وفي بعض الروايات ((تطلع بين قرني الشيطان)) - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد - فإن للعلماء في ذلك قولين أحدهما أن ذلك اللفظ على الحقيقة فإنها تطلع وتغرب على قرن الشيطان وعلى رأس الشيطان وبين قرني شيطان على ظاهر الحديث حقيقة لا مجازا من غير تكييف لأنه لا يكيف ما لا يرى وحجة من قال هذا القول - حديث عكرمة عن بن عباس أنه قال له ((أرايت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر قلبه قال هو حق فما أنكرتم من شعره قالوا أنكرنا قوله (والشمس تطلع كل آخر ليلة... حمراء يصبح لونها يتورد (1)) (ليست بطالعة لهم في رسلها... إلا معذبة وإلا تجلد فما بال الشمس تجلد فقال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك عن الله يأمرها بالطلوع فتشتعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله عنها وما غربت الشمس قط إلا خرت ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين عينيه فيحرقه الله تحتها وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان)) وقد ذكرنا إسناد حديث عكرمة هذا في ((التمهيد)) وقال آخرون معنى هذا الحديث عندنا على المجاز واتساع الكلام وأنه أريد بقرن الشيطان هنا أمة تعبد الشمس وتسجد لها وتصلي في حين غروبها وطلوعها تقصد بذلك الشمس من دون الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التشبه بالكفار في شيء من أمورهم ويحب مخالفتهم فنهى عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وهذا التأويل جائز في لغة العرب معروف في لسانها لأن الأمة تسمى عندهم قرنا والأمم قرونا قال الله تعالى (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) [مريم 74]. (وقرونا بين ذلك كثيرا) [الفرقان 38]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خير الناس قرني)) وجائز أن يضاف القرن إلى الشيطان لطاعتهم له وقد سمى الله الكفار حزب الشيطان ومن حجة من تأول هذا التأويل في هذا الحديث من طريق الآثار حديث عمرو بن عبسة السلمي وقد ذكرناه من طرق كثيرة في التمهيد وفيه ((فإذا طلعت الشمس فأقصر عن الصلاة فإنها تطلع على قرن الشيطان ويصلي لها الكفار وبعضهم يقول فيه ((وحينئذ يسجد لها الكفار)) وبعضهم يقول فيه ((وهي ساعة صلاة الكفار)) وفيه ((فإذا اعتدل النهار فأقصر فإنها ساعة تسجر فيها جهنم)) وحديث أبي أمامه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث عمرو بن عبسة وكلها بأحسن سياقة في ((التمهيد)) وأجمع العلماء على أن نهية -عليه السلام- عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها صحيح غير منسوخ وأنه لم يعارضه شيء إلا اختلفوا في تأويله ومعناه فقال علماء الحجاز مالك والشافعي وغيرهما معناه المنع من صلاة النافلة دون الفريضة ودون الصلاة على الجنازة وهذه جملة قولهم وقال أهل العراق والكوفيون وغيرهم كل صلاة نافلة أو فريضة أو على جنازة فلا تصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند استوائها لأن الحديث لم يخص نافلة من فريضة إلا عصر يومه لقوله - عليه السلام ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) ولهم حجج قد ذكرناها في صدر هذا الكتاب وقد مضى الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب وقد ردوا ظاهر الحديث إذ قالوا ببعضه ودفعوا بتأويلهم بعضه لأن الحديث جمع الصبح والعصر وهم قالوا عصر يومه دون صبح يومه وزعموا أن مدرك ركعة من العصر يخرج إلى وقت تباح فيه الصلاة وهو بعد المغرب ومدرك ركعة من الصبح يخرج من الثانية إلى الوقت المنهي عنه وهو الطلوع وهذا الحكم لا برهان لصاحبه فيه ولا حجة له فيه لأن من ذكرنا قد صلى ركعة من العصر والمغرب وفي قوله -عليه السلام- ((من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) مع قوله - عليه السلام ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) أوضح دليل على أن نهيه عليه السلام كان عن الصلاة عند الطلوع وعند الغروب لم يقصد به إلى الفريضة وإنما قصد به إلى ما عدا الفرائض من الصلوات وعلى هذا التأويل تكون الأحاديث مستعملة كلها في هذا الباب فلا يرد بعضها ببعض لأن علينا في الكل الاستعمال ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ولا يقطع بنسخ شيء من القرآن إلا بدليل لا معارض له أو إجماع. وأما اختلاف العلماء في الصلاة عند الاستواء فإن مالكا وأصحابه لا بأس بالصلاة عندهم نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم جمعة ولا غيره ولا أعرف هذا النهي وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يسجدون ويصلون نصف النهار وهذا ما حكى عنه بن القاسم وغيره أنه لم يعرف النهي في ذلك وفي موطئه الذي قرئ عليه إلى أن مات - النهي عن الصلاة إذا استوت الشمس في حديث الصنابحي لقوله فيه ( (فإذا استوت قارنها)) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وقد روي عن مالك أنه قال لا أكره التطوع نصف النهار ولا أحبه ويدل قوله هذا على أنه لم يصح عنده حديث زيد بن أسلم هذا عن عطاء بن يسار عن الصنابحي في ذلك والله أعلم وما أدري ما هذا وهو يوجب العمل بمراسيل الثقات ورجال هذا الحديث ثقات وأحسبه مال في ذلك إلى حديثه عن بن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي ((أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر بن الخطاب)) ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال بدليل حديث طنفسة عقيل وقد مضى ذلك في صدر الكتاب فإذا كان خروج عمر بعد الزوال وكانت صلاتهم إلى خروجه فقد كانوا يصلون وقت استواء الشمس وإلى هذا ذهب مالك لأنه عمل معمول به في المدينة لا ينكره منكر ومثل هذا العمل عنده أقوى من خبر الواحد فلذلك صار إليه وعول عليه ويوم الجمعة وغير الجمعة عنده سواء لأن الفرق بينهما لم يصح عنده في أثر ولا نظر وممن رخص أيضا في الصلاة نصف النهار الحسن البصري وطاوس ورواية عن الأوزاعي وقد روي عن طاوس تخصيص يوم الجمعة وقال أبو يوسف والشافعي وأصحابه لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وهي أيضا رواية عن الأوزاعي وأهل الشام وحجة الشافعي ومن قال بقوله ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلى أن تزول الشمس إلا يوم الجمعة)). قال أبو عمر إبراهيم بن محمد هذا هو بن أبي يحيى وإسحاق هذا هو بن أبي فروة وهما متروكان ليس فيما ينقلانه ويرويانه حجة ولكن الشافعي احتج مع حديث بن أبي يحيى بحديث مالك عن بن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي المذكور وقال النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح إلا أنه خص منه يوم الجمعة بما روي من العمل المستفيض في المدينة في زمان عمر وغيره من الصلاة يوم الجمعة حتى يخرج عمر وبما رواه بن أبي يحيى وغيره مما يعضده العمل المذكور قال والعمل في مثل ذلك لا يكون إلا توقيفا وإن كان حديث بن أبي يحيى ضعيفا فإنه تقويه صحة العمل به قال أبو عمر قد روى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد قال كان عمر إذا خرج - يعني يوم الجمعة - ترك الناس الصلاة وجلسوا ومعلوم أن خروج عمر إنما كان بعد الزوال لأنه بخروج الإمام يندفع الأذان وكذلك في حديث بن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي ((وأذن المؤذنون)) وقد روى مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة قال ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة تكره نصف النهار إلا يوم الجمعة فإن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة)) ومنهم من أوقفه على أبي قتادة ومثله لا يكون رأيا وقد ذكرنا هذين الحديثين بإسنادهما في ((التمهيد)) وروى سفيان بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه قال يوم الجمعة صلاة كله وكان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة نصف النهار في الصيف ولا يكره ذلك في الشتاء وقال بن سيرين تكره الصلاة في ثلاث ساعات وتحرم في ساعتين تكره بعد العصر وبعد الصبح ونصف النهار في شدة الحر وتحرم حين تطلع الشمس حتى يستوي طلوعها وحين تصفر حتى يستوي غروبها وذكره عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن بن سيرين وعن بن جريج عن عطاء. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والثوري والحسن بن حي وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل لا يجوز التطوع نصف النهار في شتاء ولا صيف لحديث الصنابحي وحديث عمرو بن عبسة ومن ذكرنا معهما في ذلك ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه أن تصلي فريضة فائتة ولا نافلة ولا صلاة سنة ولا على جنازة لا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند استوائها إلا ما ذكرنا عنهم في عصر يومه من أجل حديث الصنابحي وما كان مثله وقد مضى في هذا الباب وغيره من هذا الكتاب في ذلك ما يغني عن رده ها هنا ولا خلاف عن مالك وأصحابه أن الصلاة على الجنائز ودفنها نصف النهار جائز وذكر بن القاسم عن مالك قال لا بأس على الصلاة على الجنائز بعد العصر ما لم تصفر الشمس فإذا اصفرت لم يصل على الجنائز إلا أن يخاف عليها فيصلى عليها حينئذ قال ولا بأس بالصلاة على الجنازة بعد الصبح ما لم يسفر فإذا أسفر فلا تصلوا عليها إلا أن تخافوا عليها وذكر بن عبد الحكم عن مالك أن الصلاة على الجنائز جائزة في ساعات الليل والنهار وعند طلوع الشمس وغروبها واستوائها وقال الثوري لا يصلى على الجنازة إلا في مواقيت الصلاة وتكره الصلاة عليها نصف النهار وبعد العصر حتى تغيب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس وقال الليث بن سعد لا يصلى على الجنازة في الساعات التي تكره فيها الصلاة وقال الأوزاعي يصلى عليها ما دام في ميقات العصر فإذا ذهب عنهم ميقات العصر لم يصلوا عليها حتى تغرب الشمس. وقال الشافعي يصلى على الجنائز في كل وقت والنهي عن الصلاة في تلك الساعات إنما هو عن النوافل المبتدأة والتطوع. وأما عن صلاة فريضة أو سنة فلا لحديث قيس في ركعتي الفجر وحديث أم سلمة في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين اللتين تصليان بعد الظهر - بعد العصر. 27- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إذا بدا حاجب الشمس (1) فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جماعة رواته وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في غير الموطأ فأخطأ فيه ولم يتابع عليه والحديث صحيح لهشام بن عروة عن أبيه عن بن عمر لا عن عائشة حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرني بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تشرق وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)). قال أبو عمر الكلام في الحديث الذي قبل هذا يغني عن الكلام في هذا لأن المعنى فيهما سواء الحجازيون على ما ذكرنا من تلخيص مذاهبهم والكوفيون على أصلهم المذكور عنهم. 28- مالك عن العلاء بن عبد الرحمن قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام يصلي العصر فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة أو ذكرها فقال سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان أو على قرن الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قيلا)) هذا الحديث يدل على أن الناس كانوا يتوسعون فيما وسع الله عليهم من سعة الوقت فقوم يصلون في أول الوقت وقوم يصلون في وسطه وقوم في آخره وقد مضى في صدر هذا الكتاب أن آخر وقت الظهر عند طائفة العلماء منهم مالك وغيره هو أول وقت العصر بلا فصل وأن من أهل العلم من يجعل بينهما فصلا وإن قل منهم الشافعي وفي هذا الحديث دليل على استحباب أنس بن مالك تعجيل العصر وتفضيل أول الوقت فيها. وأما قوله في صلاة المنافقين إنها كانت عند اصفرار الشمس فذلك ذم منه لمن آخر صلاته ذاكر إلى ذلك الوقت وتحذير من التشبه بأفعال المنافقين الذين كانوا لا يأتون الصلاة إلا كسالى وقد كان من أمراء بني أمية من لا يصلي إلا ذلك الوقت وبعده ولذلك قال حذيفة بن اليمان - رحمه الله - قال كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرون النفاق وأنتم تجهرون به وفي حديث أنس هذا دليل على أن قوله - عليه السلام ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) إنما ذلك لأصحاب الضرورات كما قال مالك ومن تابعه لا لأن لأحد أن يتعمد فيضع صلاته ذلك الوقت وقد مضى في أول هذا الكتاب في هذا المعنى ما يغني عن إعادته ها هنا وما أعلم حديثا أبين من الرد على إسحاق وداود في قولهما في حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) الحديث إن ذلك لكل أحد من أصحاب الضرورات وغيرهم - من حديث أنس هذا من رواية يعلى بن عبد الرحمن وقد ذكرناه من طرق في ((التمهيد)) بألفاظ مختلفة ومعنى واحد وفيها عن العلاء أن الذي صلى معه الظهر يومئذ خالد بن عبد الله بن أسيد القشيري بالبصرة ثم دخل بأثر ذلك على أنس بن مالك فوجده يصلي العصر وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى المازني عن خالد بن خلاد قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر يوما ثم دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه قائما يصلي العصر فقلنا إنما انصرفنا الآن من الظهر مع عمر فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة هكذا فلا أتركها أبدا. 29- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها)). قال أبو عمر يحتمل قوله ((لا يتحر أحدكم)) وجهين أحدهما ألا يترك أحد صلاته ذاكرا لها إلى حين طلوع الشمس أو غروبها وهذا عمل الفرائض والثاني أن يكون المقصود بذلك إلى التطوع وليس يقال لمن نام فلم ينتبه أو نسي فلم يذكر إلا في ذلك الوقت أنه تحراه وقصده والنهي إنما توجه في هذا الحديث إلى من تحرى ذلك وليس النائم والناسي بمتحر لذلك فلا حجة على مالك والشافعي في هذا الحديث لإجازتهم للنائم والناسي أن يصليا فرضهما في ذلك الوقت كما زعم الكوفيون ولا خلاف بين المسلمين أن صلاة التطوع كلها غير جائز أن يصلى شيء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها وإنما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على الكفاية والمسنونات وقد مضى في ذلك كله ما يكفي والحمد لله. 30- مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس من حديث عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن عفراء وغيرهم وهي أحاديث صحاح لا مدفع فيها إلا أن العلماء اختلفوا في تأويلها وفي خصوصها وعمومها واختلف العلماء في هذا الباب اختلافا كثيرا لاختلاف الآثار فيه فقال منهم قائلون لا بأس بالتطوع بعد الصبح وبعد العصر لأن النهي إنما قصد به إلى ترك الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وذكروا مثل حديث الصنابحي وشبهه قالوا فالنهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر هذا معناه لإجماع المسلمين على الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر إذا لم يكن عند طلوع الشمس ولا عند غروبها قالوا وإنما خرج النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر على قطع الذريعة لأنه لو أبيحت الصلاة النافلة بعد الصبح وبعد العصر لم يؤمن التمادي فيها إلى حين طلوع الشمس وغروبها هذا مذهب عبد الله بن عمر وقال به جماعة ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع أنه سمع بن عمر يقول أما أنا فلا أنهى أحدا يصلي من ليل أو نهار أي ساعة شاء غير ألا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها وهو قول عطاء وطاوس وعمرو بن دينار وبن جريج وروي عن بن مسعود نحوه ومذهب عائشة في ذلك كمذهب بن عمر وروى بن وهب عن بن طاوس عن أبيه عن عائشة قالت أوهم بن عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أن يتحرى بها طلوع الشمس وغروبها أخبرنا عبد الله بن أسد وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عفان بن مسلم ومحمد بن أبي نعيم قال حدثنا بن وهب عن خالد فذكره ومن حجة من قال بهذا القول حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تصلوا بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية)) وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا لأنه رآه عمر بن الخطاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه وضربه بالدرة فقال له يا أمير المؤمنين اضرب فوالله لا أدعهما بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما فقال له عمر يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وقد ذكرنا هذا الخبر وسائر أخبار هذا الباب في ((التمهيد)) وقد قيل إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بألا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد الشروق والغروب بالنهي عن الصلاة فيهما ألا ترى أنه جائز لمن جاء المسجد بعد صلاة العصر وهو لم يصل العصر أن يتطوع بركعتين وبأكثر قبل أن يصلي العصر ثم يصلي العصر والشمس بيضاء نقية ولا يجوز ذلك في تلك الساعة لمن قد صلى العصر والصبح وقال آخرون أما الصلاة بعد الصبح إذا كانت نافلة أو سنة ولم تكن قضاء فرض فلا تجوز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس نهيا مطلقا إلا أنه موقوف على كل ما عدا الفرض من الصلاة لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس أو من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك) يعني الوقت وممن قال بهذا مالك بن أنس وأصحابه وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قال أحمد وإسحاق لا يصلى بعد العصر إلا صلاة فائتة أو صلاة على جنازة ومذهب مالك في ذلك هو مذهب عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وهم أعلم بما رووا وحسبك بضرب عمر على ذلك بالدرة ولا يكون ذلك إلا عن بصيرة وكذلك بن عباس روى الحديث في ذلك عن عمر عن النبي -عليه السلام- قال به علي ظاهره وعمومه حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي العالية عن بن عباس قال حدثني رجال مرضيون منهم عمر - وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وهذا الحديث هو أثبت الأحاديث رواه عن قتادة جماعة منهم شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وأبان العطار وهمام بن يحيى ومنصور بن زاذان ولم يختلفوا فيه وإليه ذهب بن عباس أنه سأله عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما فقال لا أدعهما فقال بن عباس (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب. وقال الشافعي إنما المعنى في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر - التطوع المبتدأ أو النافلة. وأما الصلوات المفروضات والمسنونات وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه من النوافل فلا واحتج أيضا بحديث قيس حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر بعد السلام من الصبح فسكت عنه إذ أخبره أنهما ركعتا الفجر وقد روي من حديث هشام بن سعد مثل ذلك واحتج أيضا بحديث أم سلمة وعائشة في الركعتين اللتين قضاهما رسول الله وأنه قال ( (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار)). وأما أبو ثور فقال لا يصلي أحد تطوعا بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس إلى أن تزول ولا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس إلا صلاة فائتة من الفرائض أو صلاة على جنازة أو على أثر طواف أو صلاة لبعض الآيات أو ما يلزم من الصلوات واحتج بكثير من آثار هذا الباب فيها حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم ((يا بني عبد مناف)) الحديث وقال آخرون أما التطوع بعد العصر فجائز لحديث عائشة ((ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر في بيتي قط)). وأما التطوع بعد الصبح فلا لأن الآثار غير ثابتة في ذلك وحديث عائشة صحيح والأصل ألا يعمل من عمل البر إلا بدليل لا معارض له وقد تعارضت الآثار في الصلاة بعد العصر فواجب الرجوع إلى قوله (وافعلوا الخير) [الحج 77]. والصلاة فعل خير فلا يمنع من فعلها إلا بما لا تعارض له هذا قول داود بن علي وقال آخرون لا يصلى عند طلوع الشمس ولا بعد الصبح ولا بعد العصر ولا عند الغروب ولا عند الاستواء شيء من الصلوات كلها إلا عصر اليوم فهذا قول أبي حنيفة وأصحابه على ما قدمنا عنهم. وقال مالك من طاف بالبيت بعد العصر أخر ركعتي الطواف حتى تغرب الشمس وكذلك من طاف بعد الصبح لم يركعهما حتى تطلع الشمس. وقال أبو حنيفة يركعهما إلا عند طلوع الشمس وغروبها واستوائها وبعض أصحاب مالك يرى الركوع للطواف بعد الصبح ولا يراه بعد العصر وهذا لا وجه له في النظر ولا يصح به أثر وحكم سجود التلاوة بعد الصبح والعصر عند الفقهاء كحكم الصلاة على أصولهم التي ذكرنا عنهم. وأما السلف من الصحابة والتابعين فروينا عن بن عباس وبن عمر وبن الزبير والحسن والحسين وعطاء وطاوس ومجاهد والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير أنهم كانوا يطوفون بعد العصر وبعضهم بعد الصبح أيضا ويصلون بإثر فراغهم من طوافهم ركعتين في ذلك الوقت وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود. 31- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوع الشمس ويغربان مع غروبها وكان يضرب الناس على تلك الصلاة قد تقدم في الحديث المسند قبل هذا معنى لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها وقد تقدم قبل ذلك معنى قرن الشيطان ومعنى ضرب عمر على الصلاة بعد العصر وإذا كان يضربهم على الصلاة بعد العصر فأحرى أن يضربهم على الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وقد بان مذهبه ومذهب ابنه في ذلك بما أوردناه قبل هذا والحمد لله. 32- مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر في هذا الحديث ما كان عليه عمر من تفقده أمر من استرعاه الله أمره وكذلك يلزم الأئمة والسلاطين الاهتبال بأمر الدين والقيام بأمر المسلمين وصلاح دنياهم بما أباح الله لهم روينا عن الحسن البصرى أنه قال ما ورد علينا قط كتاب عمر بن عبد العزيز إلا بإحياء سنة أو إماتة بدعة أو ورد مظلمة فهؤلاء هم الأئمة الذين هم لله في الأرض حجة. 33- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( من أكل من هذه الشجرة (1) فلا يقرب مساجدنا يؤذينا بريح الثوم)) قد ذكرنا هذا الحديث متصلا مسندا في ((التمهيد)) من طرق شتى روى يحيى وجماعة ((مساجدنا)) وروت طائفة ((مسجدنا)) والمعنى واحد و( مساجدنا) أعم وإن كان الواحد من الجنس في معنى الجماعة و(مساجدنا) تفسير ( مسجدنا) وفي بعض الآثار المسندة ((فلا يقربنا ولا يصلين معنا)) وفي بعضها ((فلا يغشانا في مساجدنا ولا يأتينا يمسح جبهته)) وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي -عليه السلام- قال ((من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربنا في مساجدنا فإن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الآدميون)) وفي بعض الموطآت مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام)) رواه في الموطأ عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك ورواه إسماعيل بن أبي أويس عنه وفي هذا الحديث من الفقه إباحة الثوم لسائر الناس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما امتنع من أكل الثوم والبصل لعلة ليست موجودة في غيره فصار ذلك خصوصا وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من أكله فلا يقرب هذا المسجد لأن قوله ((من أكل من هذه الشجرة)) دليل على إباحة أكلها لا على تحريمها كما زعم بعض أهل الظاهر الذين يوجبون إتيان الجماعة فرضا ويمنعون من أكل الثوم والبصل ومن أكله لا يدخل المسجد لصلاة وفي ذلك دليل على أن شهود الجماعة ليس بفريضة خلافا أيضا لأهل الظاهر الذين يوجبونها ويحرمون أكل الثوم من أجل شهودها)) وقد ذكرنا من أكل الثوم من السلف في ((التمهيد)) على حسب ما بلغنا واختلف العلماء في معان من هذا الحديث فقال بعضهم إنما خرج النهي على مسجد النبي عليه السلام - من أجل جبريل ونزوله فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وقال الجمهور حكم مسجد النبي وسائر المساجد سواء قال أبو عمر وملائكة الوحي وغيرها سواء لأنه قد أخبر أنه يتأذى منه بنو آدم وقال يؤذينا بريح الثوم)) ولا يحل إذا لجليس ولا لمسلم حيث كان وقد ذكرنا في ((التمهيد)) حديث عمر قال ((أيها الناس إنكم تأكلون من شجرتين خبيثتين البصل والثوم ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع)) ففي هذا الحديث أن الناس كانوا يأكلون الثوم والبصل وأنهم لم ينهوا عن أكلهما ولكنهم أبعدوا من المسجد من أجلهما وفي حديث المغيرة بن شعبة وغيره ((فلا يقربنا حتى يذهب ريحهما)) وذلك كله إباحة لأكلهما وللتأخر عن المسجد من أجل ذلك وفي حديث عمر أيضا ما يدل أن كل ما يتأذى به كالمجذوم وغيره يبعد عن المسجد وقد شاهدت شيخنا أبا عمر الإشبيلي أحمد بن عبد الملك بن هاشم أفتى في رجل شكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده - بأن يخرج عن المسجد ويبعد عنه فقلت له وما هذا وقد كان في أدبه بالسوط ما يردعه فقال الاقتداء بحديث النبي -عليه السلام- أولى ونزع بحديث عمر المذكور وروى بن وهب عن مالك أنه سئل عن آكل الثوم يوم الجمعة فقال بئس ما صنع حين آكل الثوم وهو ممن يجب عليه حضور الجمعة وقال عنه بن القاسم الكراث كالثوم إذا وجد من ريحها ما يؤذيه وفي كون الخضر بالمدينة وإجماع أهلها على أنه لا زكاة فيها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منها الزكاة ولو أخذ منها الزكاة ما خفي عليهم فكانت الخضرة مما عفي عنه من الأموال كما عفي عن سائر العروض التي ليست للتجارة وسيأتي هذا المعنى في هذا الكتاب عند قوله عليه السلام ((فيما سقت السماء العشر)) إن شاء الله. 34- مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذا شديدا حتى ينزعه عن فيه عبد الرحمن المجبر هو عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وإنما قيل لابنه عبد الرحمن المجبر لأنه سقط فتكسر فجبر فقيل له المجبر وقد قيل إنه كان يقال له المكسر فقالت حفصة بل هو المجبر وقيل إنما قيل له المجبر لأن أباه توفي وهو في بطن أمه فسمته حفصة المجبر لعل الله يجبره وقال فيه الزبير بن بكار المجبر وسائر الناس يقولون بتحريك الجيم وتشديد الباء وكان بن معين يضعف عبد الرحمن المجبر هذا وليس قوله بشيء لأنه لا يحفظ له حديث منكر أتى به. وأما تغطية الفم والأنف في الصلاة فمكروه لمن أكل ثوما وإنما أصل الكراهية فيه لأنهم كانوا يتلثمون ويصلون على تلك الحال فنهوا عن ذلك ذكر بن وهب قال أخبرني الوليد بن المغيرة أن وهب بن عبد الله المعاوي حدثه قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضعن أحدكم ثوبه على أنفه وهو في الصلاة فإن ذلك خطم (3) الشيطان قال بن وهب وكره أن يغطي الإنسان أنفه في الصلاة وقال بن عبد الحكم لا يغطي أنفه في الصلاة وقال بن الجهم معنى ذلك ليباشر الأرض بأنفه عند سجوده كما يباشرها بجبهته وكره التلتم في الصلاة عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعكرمة وطاوس وإبراهيم والحسن وروي عن علي وقال حميد بن عبد الرحمن الرقاشي قال حدثنا بكر بن عامر قال كان إبراهيم والشعبي يكرهان أن يغطي الرجل فاه في الصلاة. 35- مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى المازني وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه هكذا في ((الموطأ)) عند جميع رواته - فيما علمت - في إسناد هذا الحديث ((وهو جد عمرو بن يحيى في جده عبد الله بن زيد بن عاصم)) ولم يقل أحد من رواة هذا الحديث عن عمرو بن يحيى في عبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى ألا مالك ولم يتابعه أحد على ذلك وهو عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري لا خلاف في ذلك ولجده أبي حسن صحبة فيما ذكر بعضهم على ما ذكرنا في كتاب ((الصحابة)) وعسى أن يكون جده لأمه وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في ((التمهيد)) واختلاف رواته في سياقته وألفاظه وليس عند القعنبي في الموطأ وذكره سحنون في المدونة بألفاظ لا تعرف لمالك في إسناده ولا متنه وقد أوضحنا معنى ذلك كله في ((التمهيد)) والحمد لله فأما ما في هذا الحديث من المعاني فأول ذلك غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مرتين فجملة قول مالك في ذلك أنه كره أن يدخل أحد يديه في وضوئه قبل أن يغسلهما إذا كان محدثا وإن كانت يده طاهرة لم يضر ذلك وضوءه هذا هو المشهور عنه والمعروف من مذهبه فيما روى عنه بن القاسم وبن وهب وأشهب وغيرهم إلا ما ذكره بن وهب عن بن القاسم عن مالك في الذي يستيقظ فيدخل يده في الإناء أنه لا بأس بذلك وذكر عن بن وهب وأصبغ أنهما كرها ذلك وقال بن وهب ليس على المتوضئ غسل يده إذا كانت طاهرة وكانت بحضرة الوضوء وسنورد ما للعلماء في هذا المعنى مستوعبا في باب وضوء النائم إن شاء الله. وأما قوله ثم مضمض واستنثر ثلاثا فالثلاث في ذلك في سائر الأعضاء أكمل الوضوء وأتمه وما زاد فهو اعتداء ما لم تكن الزيادة لتمام نقصان وهذا لا خلاف فيه والمضمضة معروفة وليس إدخال الإصبع ودلك الأسنان بها من المضمضة فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل وحسب المتمضمض أخذ الماء من اليد بفيه وتحريكه متمضمضا به وطرحه عنه فإن فعل ذلك ثلاثا فقد بلغ غاية الكمال. وأما الاستنثار فهو دفع الماء من الأنف والاستنشاق أخذه بريح الأنف وهما كلمتان مرويتان في الآثار المرفوعة وغيرها متداخلتان في المعنى وأهل العلم يعبرون بالواحدة عن الأخرى وقد ذكرنا الآثار الواردة بهما في ((التمهيد)) فأما اختلاف العلماء في حكمهما فإن مالكا والشافعي وأصحابهما يقولون المضمضة والاستنثار سنة لا فريضة لا في الوضوء ولا في الجنابة وهذا قول الأوزاعي والليث بن سعد وبه قال محمد بن جرير الطبري وروي ذلك عن الحسن البصري وبن شهاب والحكم بن عتيبة ويحيى بن سعيد وقتادة فمن توضأ ولم يأت بهما ولا عملهما في وضوئه وصلى فلا إعادة عليه عند واحد من هؤلاء العلماء وحجة من لم يوجبهما أن الله لم يذكرهما في كتابه ولا أوجبهما رسوله ولا اتفق الجميع على إيجابهما والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري هما فرض في الجنابة وسنة في الوضوء فإن تركهما في غسله من الجنابة وصلى أعاد كمن ترك لمعة ومن تركهما في وضوئه فلا شي عليه والحجة لهم قوله - عليه السلام ((تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشر)) وفي الأنف ما فيه من الشعر وأنه لا يوصل إلى غسل الأسنان والشفتين إلا بالمضمضة وقد قال عليه السلام ((العينان تزنيان والفرج يزني)) ونحو ذلك إلى أشياء نزعوا بها تركت ذكرها وقال بن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان هما فرض في الغسل والوضوء جميعا وهو قول إسحاق بن راهويه وروي عن عطاء والزهري مثل ذلك أيضا وروي عنهما مثل قول مالك والشافعي وكذلك اختلف أصحاب دواد فمنهم من قال هما فرض في الغسل والوضوء جميعا ومنهم من قال إن المضمضة سنة والاستنشاق فرض وكذلك اختلف عن أحمد بن حنبل على هذين القولين المذكورين عن داود وأصحابه ولم يختلف قول أبي ثور وأبي عبيد أن المضمضة سنة والاستنشاق واجب قالا من ترك الاستنشاق وصلى أعاد ومن ترك المضمضة لم يعد وكذلك القول عند أحمد بن حنبل في رواية وعند أصحاب داود أيضا مثله واحتج من أوجبهما في الوضوء وفي غسل الجنابة أن الله تعالى قال (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) [النساء 43]. كما قال في الوضوء (فاغسلوا وجوهكم) [المائدة 6]. فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الآخر ولم يحفظ أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك المضمضة والاستنشاق في وضوئه ولا غسله للجنابة وهو المبين عن الله عز وجل مراده وقد بين أن مراد الله بقوله (فاغسلوا وجوهكم) المضمضة والاستنشاق مع غسل سائر الوجه وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي -عليه السلام- فعل المضمضة ولم يأمر بها وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إلا بدليل وفعل عليه السلام الاستنثار وأمر به وأمره على الوجوب إلا أن يستبين غير ذلك من مراده وهذا على أصلهم في ذلك ولكل واحد منهم اعتلالات وترجيحات يطول ذكرها. وأما غسل الوجه ثلاثة على ما في حديث عبد الله بن زيد هذا فهو الكمال والغسلة الواحدة إذا أوعبت تجزئ بإجماع من العلماء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توضأ مرة مرة ومرتين وثلاثة وهذا أكثر ما فعل من ذلك عليه السلام وتلقت الجماعة ذلك من فعله على الإباحة والتخيير في الثنتين والثلاث إلا أن ثبت أن شيئا من ذلك نسخ لغيره فقف على إجماعهم فيه قال بن القاسم عن مالك ليس في ذلك توقيت قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) ولم يوقت وذكر عنه بن عبد الحكم قال لا أحب الاقتصار على اثنتين وإن عمتا والوجه مأخوذ من المواجهة وهو من منابت شعر الرأس إلى العارض والذقن والأذنين وما أقبل من اللحيين واختلف في البياض الذي بين الأذنين والعارض فروى بن وهب عن مالك قال ليس ما خلف الصدغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الأذن من الوجه وزعم عبد الوهاب أن مذهبه محمول في ذلك على أن غسل الوجه إلى العارض فرض وغسل ما بين العارض إلى الأذن سنة. وقال الشافعي يغسل المتوضئ وجهه من منابت شعر لحيته إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل من وجهه وذقنه قال فإن كان أمرد غسل بشرة وجهه كلها فإن نبتت لحيته وعارضاه أفاض على لحيته وعارضيه وإن لم يصل الماء إلى بشرة وجهه التي تحت الشعر أجزأه إذا كان شعره كثيرا قال أبو عمر قد أجمعوا أن ليس على المتيمم أن يمسح ما تحت عارضيه فقضى إجماعهم في ذلك على مراد الله منه لأن الله أمر المتيمم بمسح وجهه كما أمر المتوضئ بغسله. وقال أحمد بن حنبل غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين ويتعاهد البياض الذي بين العارض والأذن. وقال أبو حنيفة وأصحابه البياض الذي بين العذار والأذن - من الوجه وغسله واجب قال أبو عمر في اختلاف العلماء بالمدينة وغيرها قديما فيما أقبل من الأذنين هل هو من الرأس أو من الوجه ما يوضح أن البياض الذي بين الأذنين والعارض من الوجه وسأذكر اختلاف العلماء في الأذنين في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قرأت على محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا الفضل بن الحباب القاضي بالبصرة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا قيس بن الربيع عن جابر بن هرمز قال سمعت عليا يقول ابلغ بالوضوء مقاص الشعر واختلف في تخليل اللحية والذقنه فذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء. وقال مالك وأكثر أصحابه وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة وذكر بن عبد الحكم عن مالك أن الجنب يخلل لحيته ويستحب ذلك له وليس ذلك على المتوضئ قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل أصول شعره في غسله من الجنابة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث بن سعيد وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود والطبري ومن قال بقوله تخليل اللحية في غسل الجنابة واجب وهذا على من احتاج إلى ذلك لكثرة شعره ليصل الماء إلى بشرته وأظن مالكا ومن قال بقوله ذهبوا إلى أن الشعر لا يمنع من وصول الماء وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال ويحرك اللحية في الوضوء إن كانت كثيرة ولا يخللها قال. وأما في الغسل فليحركها وإن صغرت وتخليلها أحب إلينا وذكر بن القاسم عن مالك قال يحرك المتوضىء ظاهر لحيته من غير أن يدخل يده فيها قال وهي مثل أصابع الرجل يعني أنها لا تخلل وقال بن عبد الحكم تخليل اللحية واجب في الوضوء والغسل وروى أبو فروة موسى بن طارق قال سمعت مالكا يذكر تخليل اللحية فيقول يكفيها ما مسها من الماء مع غسل الوجه ويحتج في ذلك بحديث عبد الله بن زيد لم يذكر فيه تخليل اللحية وقال الأوزاعي ليس تحريك اللحية وتخليل العارضين بواجب وقال بن خواز بنداذ اتفق الفقهاء على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء إلا شيئا روي عن سعيد بن جبير قال أبو عمر الذي روي عن سعيد بن جبير قوله ما بال الرجل يغسل لحيته قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها وما بال الأمرد يغسل ذقنه ولا يغسله ذو اللحية وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته في وضوئه من وجوه كلها ضعيفة. وأما الصحابة والتابعون فروي عن جماعة منهم تخليل اللحية وأكثرهم لم يفرقوا بين الوضوء والجنابة وروي عن جماعة منهم الرخصة في ترك تخليل اللحية وإيجاب غسل ما تحت اللحية مع الاختلاف فيه دون دليل قاطع فيه لا يصح ومن احتاط فخلل لم يعب قال الطحاوي التيمم واجب فيه مسح اللحية ثم سقط بعد هذا عندهم جميعهم فكذلك الوضوء. وأما ما انسدل من اللحية فذكر عن سحنون عن بن القاسم قال سمعت مالكا يسأل هل سمعت بعض أهل العلم يقول إن اللحية من الوجه الماء قال قال نعم قال وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس وعاب ذلك على من فعله قيل لسحنون أرأيت من غسل وجهه ولم يمر الماء على لحيته قال هو بمنزلة من لم يمسح رأسه وعليه الإعادة واختلف قول الشافعي فيما انسدل من شعر اللحية فقال مرة أحب إلى أن يمر الماء على ما سقط من اللحية على الوجه فإن لم يفعل ففيها قولان يجزئه في أحدهما ولا يجزئه في الآخر لأنه لا يجعل ما سقط من منابت شعر الوجه - من الوجه يعني بقوله ما سقط ما انسدل قال أبو عمر من جعل غسل ما انسدل من اللحية واجبا جعلها وجها والله قد أمر بغسل الوجه أمرا مطلقا لم يخص صاحب لحية من أمرد فكل ما وقع عليه اسم وجه فواجب غسله لأن الوجه مأخوذ من المواجهة وغير ممتنع أن تسمي اللحية وجها فوجب غسلها لعموم الظاهر ومن لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله بشرة الوجه وإنما وجب غسل اللحية لأنها ظهرت فوق البشرة حائلة دونها وصارت البشرة باطنا وصار الظاهر هو شعر اللحية فوجب غسلها بدلا من البشرة وما انسدل من اللحية ليس لحية فما يلزم غسله فيكون غسل اللحية بدلا منه كما أن جلد الرأس مأمور بغسله أو مسحه فلما نبت الشعر ناب مسح الشعر عن مسح جلدة الرأس لأنه ظاهر فهو بدل منه وما انسدل من الرأس وسقط فليس تحته بشرة يلزم مسحها ومعلوم أن الرأس المأمور بمسحه ما علا ونبت فيه الشعر وما سقط من شعره وانسدل فليس برأس وكذلك ما انسدل من اللحية ليس بوجه والله أعلم ولأصحاب مالك أيضا في هذه المسألة قولان كأصحاب الشافعي سواء والله أعلم. وأما غسل اليدين فقد جاء في حديث عبد الله بن زيد هذا ((أن رسول الله غسلهما مرتين مرتين إلى المرفقين)) وجاء عن عثمان وعلي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غسلهما ثلاثا ثلاثا وهو أكمل الوضوء وأتمه وروى بن عباس أنه توضأ مرة مرة وهو أقل ما يجزئ إذا كانت سابغة وقد مضى القول في هذا المعنى وقد أجمعوا على أن الأفضل أن يغسل اليمنى قبل اليسرى وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يتوضأ وكان -عليه السلام- يحب التيامن في أمره كما في طهوره وغسله وغير ذلك من أموره وكذلك أجمعوا أن من غسل يسرى يديه قبل اليمنى أنه لا إعادة عليه وروينا عن علي وبن مسعود أنهما قالا لا نبالي بأي ذلك بدأنا قال معن بن عيسى سألت عبد العزيز بن أبي سلمة عن إجالة الخاتم عند الوضوء قال إن كان ضيقا فأجله وإن كان واسعا فأقره قال. وقال مالك ليس عليه ذلك وقال محمد بن عبد الحكم كقول محمد بن أبي سلمة. وأما إدخال المرفقين في الغسل فعلى ذلك أكثر العلماء وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأصحابه إلا زفر فإنه اختلف عنه في ذلك فروى عنه أنه يجب غسل المرافق مع الذراعين وروى عنه أنه لا يجب ذلك وبه قال الطبري وبعض أصحاب مالك المتأخرين وبعض أصحاب داود فمن أوجب غسلها حمل قوله (وأيديكم إلى المرافق) [المائدة 6]. على أن (إلى ) ها هنا بمعنى الواو أو بمعنى مع فتقدير قوله ذلك عندهم وأيديكم والمرافق أو مع المرافق واحتج بعضهم بقوله تعالى (من أنصاري إلى الله) [الصف 14]. أي مع الله وقوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) [النساء 2]. أي مع أموالكم وأنكر بعض أهل اللغة أن تكون (إلى ) بمعنى الواو وبمعنى مع وقال لو كان كذلك لوجب غسل اليدين من أطراف الأصابع إلى أصل الكتف وقال لا يجوز أن تخرج (إلى ) عن معناها وذلك أنها بمعنى الغاية أبدا وقال جائز أن تكون (إلى ) ها هنا بمعنى الغاية وتدخل المرافق في الغسل لأن الثاني إذا كان من الأول كان ما بعد (إلى ) داخلا فيما قبله فدخلت المرافق في الغسل لأنها من اليدين ولم يدخل الليل في الصيام بقوله (ثم أتموا الصيام إلى الليل) [البقرة 187]. لأن الليل ليس من النهار كأنه يقول ما كان من الجنس دخل الحد منه في المحدود وما لم يكن من الجنس لم يدخل في المحدود منه حدة ومن لم يوجب غسلها حمل (إلى ) على الغاية كقوله (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وليس بشيء مما قدمنا من الحجة لقول الجمهور الذين لا يجوز عليهم جهل التأويل ولا تحريفه لأن القائلين بسقوط إدخال المرفقين في غسل الذراعين قليل وقولهم في ذلك كالشذوذ ومن غسل المرفقين مع الذراعين فقد أدى فرضة بيقين واليقين في أداء الفرائض واجب. وأما المسح بالرأس فقد أجمعوا أن من مسح برأسه كله فقد أحسن وعمل أكمل ما يلزمه على أنهم قد أجمعوا على أن اليسير لا يقصد إلى إسقاطه متجاوز عنه لا يضر المتوضئ وجمهورهم يقول بمسح الرأس مسحة واحدة موعبة كاملة لا يزيد عليها إلا الشافعي فإنه قال من توضأ ثلاثا مسح رأسه ثلاثا على ظاهر الحديث في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا وفي بعض الروايات عن عثمان في صفة وضوء رسول الله ثم يمسح رأسه ثلاثا وأكثرها على مرة واحدة وروى مسح الرأس ثلاثا عن أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعطاء وغيرهم وكان بن سيرين يقول يمسح رأسه مرتين وكان مالك يقول في مسح الرأس يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخرة ثم يردهما إلى مقدمه على حديث عبد الله بن زيد قال وهو أبلغ ما سمعت في مسح الرأس وهو قول الشافعي في أن حديث عبد الله بن زيد أحسن ما جاء في مسح الرأس وروي عن بن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه ويدير ويعيد إلى حيث بدأ وفي حديث عبد الله بن زيد ((بدأ بمقدم رأسه)) وهو الذي ينبغي أن يمتثل ويحمل عليه وروى معاوية والمقدام بن معدي عن النبي - عليه السلام ((ثم يمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر)) فقد توهم بعض الناس أنه بدأ بمؤخر رأسه لقوله ((فأقبل بهما)) وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل بيديه وأدبر وهذه كلها ظنون وفي قوله ((بدأ بمقدم رأسه)) ما يرفع الإشكال لمن امتثل نفسه لأنه مفسر لقوله ((فأقبل بهما وأدبر)) وهو كلام يحتمل أن يكون على التقديم والتأخير كأنه قال فأدبر بهما وأقبل والواو لا توجب رتبة ولا تعقيبا وإذا احتمل الكلام التأويل كان قوله ((بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه)) يوضح ما أشكل من ذلك وهذا كله معنى قول مالك. وأما قول الحسن بن حي يبدأ من مؤخر رأسه فإنه قد روي في حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء أنها وصفت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ((ومسح رأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه ظهورهما وبطونهما)) وقد ذكرنا علة إسناده في ((التمهيد)) وأجمع العلماء أن من عم رأسه بالمسح فقد أدى ما عليه وأتى بأكمل شيء فيه وسواء بدأ بمقدم رأسه أو بوسطه أو بمؤخره وإن كان لم يفعل ما استحب منه واختلف الفقهاء فيمن مسح بعض رأسه فقال مالك الفرض مسح جميع الرأس فإن ترك شيئا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه هذا هو المعروف من مذهب مالك وهو مذهب بن علية قال بن علية قد أمر الله تعالى بمسح الرأس في الوضوء كما أمر بمسح الوجه في التيمم وأمر بغسله في الوضوء وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء ولا مسح بعضه في التيمم وقد أجمعوا على أن الرأس يمسح كله ولم يقل أحد إن مسح بعضه سنة وبعضه فريضة فدل على أن مسحه كله فريضة واحتج إسماعيل وغيره من أصحابنا على وجوب العموم في مسح الرأس بقوله تعالى ( وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحج 29]. وقد أجمعوا أنه لا يجوز الطواف ببعضه فكذلك مسح الرأس والمعنى في قوله (وامسحوا برؤوسكم) أي امسحوا رؤوسكم ومن مسح بعض رأسه فلم يمسح رأسه واختلف أصحاب مالك في ذلك فقال أشهب يجوز مسح بعض الرأس وذكر أبو الفرج قال اختلف متأخروا أصحابنا في ذلك فقال بعضهم لا بد أن يمسح كل الرأس أو أكثره وإذا مسح أكثره أجزأه قال وقال آخرون إذا مسح الثلث فصاعدا أجزأه قال وهذا أشبه القولين عندي وأولاهما من قبل أن الثلث فما فوقه قد جعله مالك في حيز الكثير في غير موضع من كتبه ومذهبه وزعم الأبهري أنه لم يقل أحد من أصحاب مالك ما ذكره أبو الفرج عنهم فإن المعروف لمحمد بن مسلمة ومن قال بقوله أن الممسوح من الرأس إن كان المتروك الأقل جاز على أصل مالك في أن الثلث عنده قدر يسير في كثير من مسائله قال أبو عمر ما ذكره أبو الفرج والأبهري عن محمد بن مسلمة كلاهما خارج عن أصول مالك في الثلث فمرة يجعله حدا في اليسير ومرة في الكثير. وأما الشافعي فقال الفرض مسح بعض الرأس وقال احتمل قوله عز وجل (وامسحوا برؤوسكم) مسح بعض الرأس ومسح جميعه فدلت السنة على أن يجزئ وقال في موضع آخر من كتابه فإن قيل مسح الوجه في التيمم يدل على عموم غسله فلا بد أن يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل منه ومسح الرأس أصل فهذا فرق ما بينهما قال أبو عمر السنة التي ذكر الشافعي أنها دلت على أن مسح بعض الرأس يجزئ هي مسحه بناصيته عليه السلام والناصية مقدم الرأس فقط جاء ذلك في آثار كثيرة منها ما أخبرناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب قال كنا عند المغيرة بن شعبة فقال ((مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته وقد روى بكر المزني عن الحسن عن بن المغيرة عن أبيه عن النبي -عليه السلام- مثله ومن حديث أنس عن النبي -عليه السلام- مثله ذكرهما أبو داود وقد ذكرتهما بإسنادهما في التمهيد. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن مسح المتوضئ بعض رأسه أجزأه ويبدأ بمقدم رأسه إلى مؤخره واختلف أصحاب داود فقال بعضهم مسح الرأس كله واجب فرضا كقول مالك وقال بعضهم المسح ليس شأنه الاستيعاب في لسان العرب والبعض يجزئ وقال الثوري والأوزاعي والليث بن سعد يجزئ مسح بعض الرأس ويمسح المقدم وهو قول داود وأحمد وقد قدمنا عن جميعهم أن مسح جميع الرأس أحب إليهم وكان بن عمر وسلمة بن الأكوع يمسحان مقدم رؤوسهما وعن جماعة من التابعين إجازة مسح بعض الرأس ذكر ذلك عنه بن أبي شيبة وعبد الرزاق. وقال أبو حنيفة إن مسح رأسه أو بعضه بثلاثة أصابع فيما زاد أجزأه وإن مسح بأقل من ذلك لم يجزه وقال الثوري والشافعي إن مسح بإصبع واحد أجزأه وإن مسح بأقل من ذلك لم يجزئه واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على أن الرأس يجزئ مسحه إلا بماء جديد يأخذه له المتوضئ كما يأخذه لسائر الأعضاء ومن مسح رأسه بما فضل من البلل في يديه من غسل ذراعيه لم يجزه وقال الأوزاعي وجماعة من التابعين يجزئه وذكر بن حبيب عن بن الماجشون أنه قال إذا نفذ الماء عنه مسح رأسه ببلل لحيته واختاره بن حبيب والمرأة عند جميع الفقهاء في مسح رأسها كالرجل سواء كل مما أصله. وأما غسل الرجلين ففي حديث عبد الله بن زيد هذا ((ثم غسل رجليه)) ولم يجر وفي حديث عثمان وعلي إذ وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات عنهما ((ثم غسل رجليه ثلاثا)) وفي بعضها ((ثم غسل رجليه حتى أنقاهما)) وفي بعضها ((ثم غسل رجليه)) فقط وأجمع العلماء أن غسلة واحدة في الرجلين وسائر أعضاء الوضوء تجزئ إذا كانت سابغة وإذا أجزأت المرة الواحدة في الوجه والذراعين فأحرى أن تجزئ في الرجلين لأنهما عند بعض العلماء ممسوحتان وهما في التيمم مع الرأس يسقطان والقول عند العلماء في دخول الكعبين في غسل الرجلين كهو في المرفقين مع الذراعين كل على أصله وسنبين ما في ذلك كله للعلماء في هذا الباب عند قوله عليه السلام ((ويل للأعقاب من النار)) إن شاء الله ويأتي ذكر الأذنين وحكمهما في بابهما من هذا الكتاب بحول الله وعونه. 36- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر (2) ومن استجمر فليوتر)). 37- مالك عن بن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من توضأ فليستنثر (5) ومن استجمر فليوتر)) عند بعض شيوخنا في حديث أبي الزناد ((فليجعل في أنفه ماء)) وبعضهم ليس عنده ماء والمعنى قائم. وأما قوله (( ثم لينثر)) وفي حديث بن شهاب ((فليستنثر)) فإنه يقال نثر واستنثر بمعنى واحد وهو دفع ما استنشقه من الماء بريح الأنف وليس في الموطأ حديث هنا بلفظ الاستنشاق ولا يكون الاستنثار إلا بعد الاستنشاق ولفظ الاستنشاق موجود في حديث أبي هريرة وفي حديث أبي رزين العقيلي ويؤخذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من حديث عثمان وعلي وعائشة وغيرهم ففي حديث أبي هريرة من رواية معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- قال ((إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره من الماء ثم لينثر)) وفي حديث أبي رزين العقيلي - واسمه لقيط بن صبرة - قال ((قلت يا رسول الله ! أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)) وفي حديث سلمة بن قيس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا استنشقت فانثر وإذا استجمرت فأوتر)). وأما الاستنثار ففي حديث أبي هريرة ما في الموطأ بإسنادين وروى بن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة عن أبي غطفان أنه سمع بن عباس يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا)) وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في ((التمهيد)) وقد جمعها الزهري في حديث عثمان فجود حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان عن شعيب عن الزهري أخبرني عطاء بن يزيد الليثي عن حمران أن عثمان بن عفان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغلسها ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء فمضمض واستنشق واستنثر وذكر تمام الحديث واختلف العلماء فيمن ترك الاستنشاق والاستنثار في وضوئه ناسيا أو عامدا أعاد الوضوء وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في الاستنثار خاصة دون المضمضة وهو قول داود في الاستنثار خاصة وكان أبو حنيفة وأصحابه والثوري يذهبون إلى إيجاب المضمضة والاستنشاق في الجنابة دون الوضوء وكان حماد بن أبي سليمان وبن أبي ليلى وطائفة يوجبونهما في الوضوء والجنابة معا. وأما مالك والشافعي والأوزاعي وأكثر أهل العلم فإنهم ذهبوا إلى أنه لا فرض في الوضوء واجب إلا ما ذكر الله في القرآن وذلك غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين وقد أوضحنا معاني أقوالهم وعيون احتجاج كل واحد منهم فيما تقدم من هذا الباب والحمد لله. وأما قوله ((ومن استجمر فليوتر)) فمعنى الاستجمار إزالة الأذى من المخرج بالأحجار والجمار عند العرب الحجارة الصغار وقد ذكرنا تصريف هذه اللفظة في اللغة وشواهد الشعر على ذلك في التمهيد والاستجمار هو الاستنجاء وهو إزالة النجو من المخرج بالماء أو بالأحجار واختلف الفقهاء في ذلك هل هو فرض واجب أو سنة مسنونة فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن ذلك ليس بواجب فرضا وأنه سنة لا ينبغي تركها وتاركها مسيء فإن صلى كذلك فلا إعادة عليه إلا أن مالكا يستحب له الإعادة في الوقت وعلى ذلك أصحابه وأبو حنيفة يراعي أن يكون ما خرج عن في المخرج مقدار الدرهم على أصله وسيأتي ذكره في موضعه. وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود والطبري الاستنجاء واجب ولا تجزئ صلاة من صلى دون أن يستنجي بالأحجار أو بالماء والمخرج مخصوص بالأحجار عند الجميع ويجوز عند مالك وأبي حنيفة الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجو لأن الوتر يقع على الواحد فما فوقه من الوتر عندهم مستحب وليس بواجب وقد روي من حديث أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- ((من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)) وقد ذكرناه بإسناده في ((التمهيد)). وقال الشافعي لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار وهو قول أحمد بن حنبل وإلى هذا ذهب أبو الفرج المالكي وحجة من قال بهذا القول حديث سلمان الفارسي ((أنه قال له رجل إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال أجل نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار)) وحديث أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- ((أنه كان يأمر بثلاثة أحجار وينهي عن الروث والرمة)) وهما حديثان ثابتان بإجماع من أهل النقل. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي كل ما قام مقام الأحجار من سائر الأشياء الطاهرة فجائز الاستنجاء به ما لم يكن مأكولا. وقال مالك وأبو حنيفة إن استنجى بعظم أجزأه وبئس ما صنع. وقال الشافعي لا يجزئ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال الطبري كل طاهر ونجس أزال النجو أجزأ وقال داود وأهل الظاهر لا يجوز الاستنجاء بغير الأحجار الطاهرة ولا فرق عند مالك وأبي حنيفة في مخرج البول والغائط بين المعتادات وغيره المعتادات أن الأحجار تجزئ فيها وهو المشهور من قول الشافعي وقد روي عن الشافعي أنه لا يجزئ فيما عدا الغائط والبول إلا الماء وكذلك ما عدا المخرج وما حوله مما يمكن التحفظ منه فإنه لا يجزئ فيه الأحجار ولا يجزئ فيه إلا الماء وسيأتي حكم المذي في موضعه إن شاء الله وحكى بن خواز بنداذ عن مالك وأصحابه أن ما حول المخرج مما لا بد منه في الأغلب والعادة لا يجزئ فيه إلا الماء ولم أر عن مالك هذا القياس وقالت طائفة من أصحابنا إن الأحجار تجزئ في مثل ذلك لأن ما لا يمكنه التحفظ منه مثل الشعر وما يقرب منه حكمه حكم المخرج واختلف أصحاب الشافعي أيضا فمنهم من قال تجزئ فيه الأحجار ومنهم من أبى ذلك. وأما أبو حنيفة وأصحابه فعلى أصلهم أن النجاسة تزول بكل ما أزال عينها وأذهبها ماء كان أو غيره وقدر الدرهم عندهم معفو عنه أصلا وقال داود النجاسة بأي وجه زالت أجزأ ولا تحد بقدر الدرهم قال مالك تجوز الصلاة بغير الاستنجاء والاستنجاء بالحجارة حسن والماء أحب إليه ويغسل ما هنالك بالماء من لم يستنج لما يستقبل وقال الأوزاعي تجوز ثلاثة أحجار والماء أطهر ومن جعل من العلماء الاستنجاء واجبا جعل الوتر فيه واجبا وسائر أهل العلم يستحبون فيه الوتر وسيأتي ذكر الاستنجاء بالماء عند قول سعيد بن المسيب قال يحيى سمعت مالكا يقول في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة إنه لا بأس بذلك قال أبو عمرو في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة)). حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم بهذا الحديث قال ((فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاث مرات)) وذكر نحو حديث مالك وهو أمر لا أعلم فيه خلافا أنه من شاء فعله ومن أهل العلم من يستحسنه ومنهم من يستحب أن يستنشق من غير الماء الذي تمضمض منه وكل قد روي. 38- مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على عائشة زوج النبي يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء فقالت له عائشة يا عبد الرحمن ! أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((ويل للأعقاب (3) من النار)) هذا الحديث يروى متصلا مسندا عن النبي -عليه السلام- من وجوه شتى من حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وقد ذكرتها كلها في ((التمهيد)) والحمد لله وحديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعبد الله بن الحارث بن جزء لا علة في شيء من أسانيدها ولا مقال وفيه من الفقه غسل الرجلين وفي ذلك تفسير لقوله تعالى (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [المائدة 6]. فرويت بخفض (وأرجلكم) ونصبها وفي هذا الحديث دليل على أن المراد بذلك غسل الأرجل لا مسحها لأن المسح ليس شأنه استيعاب الممسوح فدل على أن من جر الأرجل عطفها على اللفظ لا على المعنى والمعنى فيهما الغسل على التقديم والتأخير كأنه قال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم والقراءتان صحيحتان مستفيضتان ومعلوم أن الغسل مخالف للمسح وغير جائز أن تبطل إحدى القراءتين بالأخرى فلم يبق إلا أن يكون المعنى الغسل أو العطف على اللفظ وكذلك قال أشهب عن مالك أنه سئل عن قراءة من قرأ ((وأرجلكم)) بالخفض فقال هو الغسل وهذا التأويل تعضده سنة رسول الله المجتمع عليها بأنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة ومرتين وثلاثا وجاء أمره في ذلك موافقا لفعله فقال ((ويل للعراقيب من النار ويل للعراقيب وبطون الأقدام من النار)) وقد ذكرنا الألفاظ بهذه الآثار مسندة في ((التمهيد وقد وجدنا العرب تخفض بالجوار والإتباع على اللفظ بخلاف المعنى والمراد عندها المعنى كما قال امرؤ القيس (كبير أناس في بجاد مزمل) فخفض بالجوار وإنما المزمل الرجل والإعراب فيه الرفع وكذلك قوله أيضا (صفيف شواء أو قدير معجل) وكان الوجه أن يقول أو قديرا معجلا ولكنه خفض للإتباع وكما قال زهير: لعب الزمان بها وغيرها *** بعدي سوافي المور والقطر قال أبو حاتم كان الوجه (والقطر) بالرفع ولكنه جره بالجوار على المور كما قالت العرب هذا جحر ضب خرب ومن هذا قراءة أبي عمرو (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) [الرحمن 35]. بالجر لأن النحاس هو الدخان وقراءة يحيى بن وثاب ذو القوة المتين بالخفض ومن هذا أيضا قول النابغة: لم يبق غير طريد غير منفلت *** أو موثق في حبال القد مسلوب فخفض ومثله قوله الآخر: فهل أنت إن ماتت أتانك راحل *** إلى آل بسطام بن قيس فخاطب بكسر الباء ومنه أيضا قول الشاعر: حي دارا أعلامها بالجناب *** مثل ما لاح في الأديم الكتاب فجر (الكتاب) بالجوار ل (لأديم) وموضعه الرفع ب (لاح) وقد يكون (الكتاب) مخفوضا ردا على (ما) بدلا من (ما) وقد يراد بالمسح الغسل من قول العرب تمسحت للصلاة والمراد الغسل وعلى هذا التأويل الذي ذكرنا في إيجاب غسل الرجلين جمهور العلماء وجماعة فقهاء الآثار وإنما روي مسح الرجلين عن بعض الصحابة والتابعين وتعلق به بعض المتأخرين ولو كان مسح الرجلين يجزئ ما أتى الوعيد بالنار على من لم يغسل عقبيه وعرقوبيه أو فاته شيء من بطون قدميه لأنه معلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب وقد أجمع المسلمون أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب عليه من قال منهم بالمسح ومن قال بالغسل فاليقين ما أجمعوا عليه واختلاف العلماء في دخول الكعبين في غسل الرجلين - كما ذكرنا في دخول المرفقين في الذراعين وجملة مذهب مالك وتلخيص مذهبه في ذلك أن المرفقين إن بقي شيء منهما مع القطع غسل قال. وأما الكعبان إذا قطعت الرجل على السنة في سرقة أو خرابة فهما باقيان في القطع ولا بد من غسلهما مع الرجلين والكعبان هما الناتئان في طرق الساق وعلى هذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وداود في الكعبين وقال الطحاوي للناس في الكعبين ثلاثة أقوال فالذي يذهب إليه محمد بن الحسن أن في القدم كعبا وفي الساق كعبا ففي كل رجل كعبان قال وغيره يقول في كل قدم كعب وموضعه ظهر القدم مما يلي الساق قال وآخرون يقولون الكعب هو الدائر بمغرز الساق وهو مجتمع العروق من ظهر القدم على العراقيب قال والعرب تقول الكعبان هما العرقوبان قال أبو عمر احتج بعض من قال في الكعبين بقولنا بحديث النعمان بن بشير قال (( أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال أقيموا صفوفكم قال فلقد رأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه)) والعرقوب هو مجمع مفصل الساق والقدم والعقب هو مؤخر الرجل تحت العرقوب. وقال مالك ليس على أحد تخليل الأصابع من رجليه في الوضوء ولا في الغسل ولا خير في الجفاء والغلو رواه بن وهب وغيره عنه قال بن وهب تخليل أصابع رجليه في الوضوء مرغب فيه ولا بد من ذلك في أصابع اليدين وإن لم يخلل أصابع رجليه فلا بد من إيصال الماء إليها وقال بن القاسم عن مالك فيمن توضأ في نهر فحرك رجليه في الماء إنه لا يجزئه حتى يغسلهما بيديه قال بن القاسم وإن قدر على غسل إحداهما بالأخرى أجزأ قال أبو عمر يلزم من قال إن الغسل لا يكون إلا بمرور اليدين أن يقول لا يجزئه غسل إحداهما بالأخرى وقد روي عن النبي - عليه السلام ((أنه كان إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره)) وهذا عندنا محمول على الكمال وقد روي عن بن وهب قال لما حدثت مالكا بحديث المستورد بن شداد عن النبي -عليه السلام- ((أنه كان يخلل أصابع رجليه)) رأيته يتعهد ذلك في وضوئه. 39- مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء وضوءا لما تحت إزاره يريد الاستنجاء يحيى بن محمد بن طحلاء مديني مولى لبني ليث وروي عنه وعن أخيه يعقوب بن محمد بن طحلاء الحديث ويحيى قليل الحديث جدا. وأما عثمان بن عبد الرحمن فمديني أيضا قرشي تيمي وهو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله يجتمع مع طلحة في عبيد الله أدخل مالك هذا الحديث في الموطأ ردا على من قال عن عمر إنه كان لا يستنجي بالماء وإنما كان استنجاؤه هو وسائر المهاجرين بالأحجار وذكر قول سعيد بن المسيب في الاستنجاء بالماء إنما ذلك وضوء النساء وقول حذيفة لو استنجيت بالماء لم تزل يدي في نتن ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا تزال يدي في نتن وهو مذهب معروف عن المهاجرين. وأما الأنصار فمشهور عنهم أنهم كانوا يتوضؤون بالماء ومنهم من كان يجمع بين الطهارتين فيستنجي بالأحجار ثم يتبع آثار الأحجار الماء قال الشعبي لما نزلت (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) [التوبة 108]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا أهل قباء ! ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم قالوا ما منا أحد إلا وهو يستنجي في الخلاء بالماء)) وعن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام مثل هذا المعنى سواء في أهل قباء وزاد إنا لنجده مكتوبا عندنا في التوراة الاستنجاء بالماء ولا خلاف أن قوله تعالى (يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) نزلت في أهل قباء لاستنجائهم بالماء وذكر فيه أبو داود حديثا مسندا ذكرناه في ((التمهيد)) وروت معاذة العدوية عن عائشة قالت ((مرن أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول بالماء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله والماء عند فقهاء الأمصار أطهر وأطيب وكلهم يجيز الاستنجاء بالأحجار على ما مضى في هذا الكتاب عنهم والحمد لله قال يحيى سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه فقال أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض ولا يعد غسل وجهه. وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه حتى يكون غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك قوله هذا يدل على أن الترتيب عنده لا يراعى في المسنون مع المفروض وإنما يراعي في المفروض من الوضوء إلا أن مراعاته لذلك ما دام في مكانه فإن بعد شيئا استأنف الوضوء ولو صلى لم يعد صلاته وكذلك ذكر بن عبد الحكم وبن القاسم وسائر أصحابه عند إلا علي بن زياد فإنه حكى عن مالك أنه قال من نكس وضوءه يعيد الوضوء والصلاة ثم رجع فقال لا إعادة عليه في الصلاة وحكى بن حبيب عن بن القاسم من نكس من مفروض وضوئه شيئا أصلح وضوءه بالحضرة فأخر ما قدم وغسل ما بعده وإن كان قد تطاول غسل ما نسي وحده قال بن حبيب لا يعجبني ذلك لأنه إذا فعل ذلك فقد أخر من الوضوء ما ينبغي أن يقدم والصواب غسل ما بعده إلى تمام الوضوء قال وكذلك قال لي بن الماجشون ومطرف وجملة قول مالك في هذه المسألة أنه يستحب لمن نكس وضوءه ولم يصل أن يستأنف الوضوء على نسق الآية ثم يصلي فإن صلى ثم ذكر ذلك لم نأمره بإعادة الصلاة لكنه يستحب له استئناف الوضوء على النسق لما يستقبل ولا يرى ذلك واجبا عليه وقال المتأخرون من المالكيين ترتيب الوضوء عند مالك سنة لا ينبغي تركها ولا يفسدون صلاة من صلى بوضوء منكوس وبمثل قول مالك قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وداود بن علي كلهم يقولون من غسل ذراعيه أو رجليه قبل أن يغسل وجهه أو قدم غسل رجليه قبل غسل يديه أو مسح رأسه قبل غسل وجهه عامدا أو غير عامد فذلك يجزيه إذا أراد بذلك الوضوء الصلاة وحجتهم أن الواو لا توجب التعقيب ولا تعطي رتبة عند جماعة البصريين من النحويين وقالوا في قول العرب أعط زيدا وعمرا دينارا دينارا إن ذلك إنما يوجب الجمع بينهما في العطاء ولا يوجب تقدمة زيد على عمرو في العطاء قالوا فقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [المائدة 6]. إنما يوجب ذلك الجمع بين الأعضاء المذكورة في الغسل ولا يوجب النسق وقد قال الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. فبدأ بالحج قبل العمرة وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل أن يحج وكذلك قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة [البقرة 43]. وجائز لمن وجب عليه إخراج زكاته في حين صلاة أن يبدأ بإخراج الزكاة ثم يصلي الصلاة في وقتها عند الجميع وكذلك قوله تعالى (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) [النساء 92]. لا يختلف العلماء أنه جائز لمن وجب عليه في قتل الخطأ إخراج الدية وتحرير الرقبة أن يخرج الدية ويسلمها قبل أن يحرر الرقبة وهذا منسوق بالواو وهذا كثير في القرآن فدل ذلك أن الواو لا توجب رتبة قالوا ولسنا ننكر - إذا صحب الواو بيان يوجب التقدمة - أن ذلك كله لموضع البيان كما ورد البيان بالإجماع في قوله (أركعوا واسجدوا) [الحج 77]. وقوله عليه السلام في الصفا والمروة ((نبدأ بما بدأ الله به)) وإنما قلنا إن حق الواو في اللغة التسوية لا غير حتى يأتي البيان بغير ذلك فنحفظه قالوا ولو كانت الواو توجب الرتبة ما احتاج النبي -عليه السلام- أن يبين الابتداء بالصفا وإنما بين ذلك إعلاما لمراد الله من الواو بذلك الموضع ولم يختلف في أنه ينبغي أن يبدأ بما بدأ الله به وإنما التنازع فيمن لم يفعل ما دل عليه وقد روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ((لا نبالي بأي أعضائنا بدأنا في الوضوء إذا أتممت وضوئي)) وهم أهل اللسان ولم يبن لهم من الآية إلا معنى الجمع لا معنى الترتيب وقد قال الله تعالى (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) آل عمران 43 ومعلوم أن السجود بعد الركوع وإنما أراد الجمع لا الرتبة وليس وضوءه -عليه السلام- على نسق الآية أبدا - بيانا لمراد الله من آية الوضوء كبيانه لركعات الصلوات لأن آية الوضوء بينة مستغنية عن البيان والصلوات مجملة مفتقرة إليه هذه جملة ما احتج به كثير من القائلين بقول مالك والكوفيين في مسألة تنكيس الوضوء. وقال الشافعي وسائر أصحابه إلا المزني وأحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه وأبو ثور - كلهم يقول من نكس وضوءه عامدا أو ناسيا لم يجزئه ولا تجزئه صلاة حتى يكون وضوءه على نسق الآية وإلى هذا ذهب أبو مصعب صاحب مالك وذكره عن أهل المدينة ومعلوم أن مالكا منهم وإمام فيهم قال أبو مصعب من قدم في الوضوء يديه على وجهه ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء واحتج القائلون بهذا القول من الشافعيين وغيرهم بأن قالوا الواو توجب الرتبة والجمع جميعا وذكروا ذلك عن الكسائي والفراء وهشام بن معاوية قالوا وذلك زيادة في فائدة الخطاب في قول القائل أعط زيدا وعمرا قالوا ولو كانت الواو توجب الرتبة أحيانا كما قال (اركعوا واسجدوا) ولا توجبها أحيانا كما قال (واسجدي واركعي) لكان في فعل رسول الله بيان لمراد الله تعالى من ذلك لأنه لم يتوضأ قط منذ افترض الله عليه الوضوء للصلاة إلا على نسق الآية فصار ذلك فرضا كما كان بيانه لعدد ركعات الصلوات ومقادير الزكوات فرضا وضعفوا الحديث المذكور عن علي وبن مسعود وقالوا هذا منقطع لا يصح لأن حديث علي انفرد به عبد الله بن عمرو الجملي ولم يسمع من علي وحديث بن مسعود إنما يرويه مجاهد عن بن مسعود ومجاهد لم يسمع من بن مسعود والمنقطع من الحديث لا تجب به حجة قالوا على أن حديث بن مسعود ليس فيه من صحيح النقل إلا قوله ((ما أبالي باليمنى بدأت أو باليسرى )) وهذا ما لا تنازع فيه إلا ما في الابتداء باليمنى من الاستحباب رجاء البركة ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في أمره كله قالوا وقد روي عن علي أنه قال ((أنتم تقرون الوصية قبل الدين وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية)) وهو مشهور ثابت عن علي قالوا فهذا علي قد أوجبت عنده (أو) التي هي في أكثر أحوالها بمعنى الواو - القبل والبعد فالواو عنده أحرى بهذا وقد قال بن عباس ما ندمت على شيء لم أكن عملت به ما ندمت على المشي إلى بيت الله ألا أكون مشيت لأني سمعت الله تعالى يقول (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) [الحج 27]. قيد أبا لرجال فهذا بن عباس قد صرح بأن الواو توجب عنده القبل والبعد والترتيب وعن عون بن عبد الله في قوله تعالى (ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) [الكهف 49]. قال ضج والله القوم من الصغائر قبل الكبائر فهذا أيضا مثل ما تقدم عن بن عباس وقد ذكرنا الخبرين عنهما بأسانيدهما في التمهيد قالوا وحروف العطف كلها قد أجمعوا على أنها توجب الرتبة إلا الواو فإنهم اختلفوا فيها فالواجب أن يكون حكمها حكم أخواتها من حروف العطف. وأما قوله تعالى (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) فجائز أن تكون عبادتها في شريعتها السجود قبل الركوع وإن صح أن ذلك ليس كذلك فالوجه فيه أن الله تعالى أمرها بالقنوت وهو الطاعة ثم السجود وهو الصلاة بعينها كما قال تعالى (وأدبار السجود) [ق 40]. يريد أدبار الصلوات ثم قال (واركعي مع الراكعين آل عمران 43 أي اشكري مع الشاكرين ومنه قوله تعالى (وخر راكعا وأناب [ص 24]. أي سجد شكرا لله وكذلك قال بن عباس إنها سجدة شكر قالوا وقد قال الله تعالى (اركعوا واسجدوا) [الحج 77]. فأجمعوا أن السجود بعد الركوع واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا وقال (إن الصفا والمروة من شعائر الله [البقرة 158]. قالوا ومن الدليل على الترتيب في أعضاء الوضوء دخول المسح بين الغسلين لأنه لو قدم ذكر الرجلين وأخر المسح لما فهم المراد من تقديم المسح فأدخل المسح بين الغسلين ليعلم أنه قدم على الرجلين ليثبت ترتيب الرأس قبل الرجلين ولولا ذلك لقال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ولما احتاج أن يأتي بلفظ ملتبس محتاج إلى التأويل لولا فائدة الترتيب في ذلك ألا ترى أن تقديم الرأس ليس من جعل الرجلين ممسوحتين فالفائدة وجوب الترتيب ولهذا وردت الآية بدخول المسح بين الغسلين والله أعلم قالوا وليس الصلاة والزكاة في التقدمة من هذا الباب في شيء لأنهما فرضان مختلفان أحدهما في بدن والاخر في بدن وقد يجب أحدهما على من لا يجب عليه الآخر وكذلك الدية والرقبة شيئان لا يحتاج فيهما إلى الرتبة. وأما الطهارة ففرض واحد مرتبط بعضه ببعض كالركوع والسجود وكالصفا والمروة اللذين أمرنا فيهما بالترتيب قالوا والفرق بين جمع زيد وعمرو في العطاء وبين أعضاء الوضوء أنه ممكن أن يجمع بين زيد وعمرو في عطية وليس ذلك ممكنا في أعضاء الوضوء إلا على الرتبة فالواجب ألا يقدم بعضها على بعض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك قط ولو جاز لفعله لأنه كان إذا خير بين أمرين أتاهما وربما اختار أيسرهما فلما لم يفعل ذلك دل على أن الرتبة في الوضوء كهي في الركوع والسجود المجتمع عليهما والله أعلم ورجحوا قولهم بالاحتياط الواجب في أداء الفرائض قالوا لأن من توضأ على النسق وصلى كانت صلاته تامة بإجماع هذا جملة ما احتج به أصحاب الشافعي لهذه المسألة ولهم إدخالات واعتراضات وعليهم مثلها يطول الكتاب بذكرها ولا معنى للإتيان بها والله أعلم.
|